الأردن وحرب إسرائيل على غزة: تحولات في الخطاب السياسي
بعد عملية طوفان الأقصى، اكتسبت حماس شعبية جديدة بين الأردنيين، في حين اتخذت الحكومة نبرة جديدة في علاقاتها مع إسرائيل.
عبدالله الجبور – صدى كارنيجي
انتاب الشارع الأردني نشوة سعادة كبيرة بعد وصول أخبار عملية “طوفان الأقصى” العسكرية لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، التي رافقها تداول مقاطع فيديو وتعليقات ساخرة عن هروب وأسر أعداد كبيرة من الإسرائيليين الفارين من المستوطنات، وتسجيل ارتفاع غير مسبوق في أعداد القتلى والأسرى الإسرائيليين، لم تشهده إسرائيل طيلة تاريخ حروبها مع حركات المقاومة الفلسطينية. انعكست حالة النشوة الأردنية في شكل احتفالات عفوية وتوزيع الحلوى في الشوارع العامة، وترديد هتافات النصر لفلسطين وقيادة كتائب عز الدين القسام في حركة حماس.
من الاحتفال إلى الاحتجاج
بعد استيعاب الصدمة، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو معلنًا أن “إسرائيل الآن في حالة حرب“، وقام بتشكيل حكومة طوارئ ضمت المعارضة، أعلنت نيتها الانتقام والرد العنيف على حماس في غزة، عبر عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “السيوف الحديدية“، راح ضحيتها آلاف المدنيين. الأمر الذي أثار مشاعر الشارع الأردني الذي بدأ ينظم وقفات احتجاجية في المدن، تحولت لاحقا إلى مظاهرات، شارك فيها آلاف الأردنيين، توجهت نحو السفارة الإسرائيلية في عمّان، في محاولة لدخولها وإضرام النار بداخلها لولا تصدي رجال الأمن الأردني.
تحولات في الموقف الشعبي
لدى حماس تاريخ في الأردن، فقد كانت مكاتبها في عمّان، ومن أجلها كاد الملك الحسين بن طلال أن يلغي معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل بعد محاولة الأخيرة اغتيال خالد مشعل خلال تواجده في الأردن. يعتبر مشعل أحد مؤسسي الحركة وقد شغل في وقت سابق منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، والآن يرأس مكتبها السياسي في الخارج. وكان لديه حضور وتأثير في الشارع الأردني، إلا أن مشعل والحركة بشكل عام، تراجع تأثيرها بشكل كبير بسبب انشغالها بالشأن السياسي الإقليمي على حساب دورها الأول المتمثل في المقاومة، وزادت الفجوة بين الحركة والشارع الأردني بعد التقارب الصريح مع نظام بشار الأسد قبل سنوات. إلا أن الحركة أعادت تجديد نفسها بشكل كبير من خلال ذراعها العسكري الذي بدأ يشهد قبولًا واسعًا في المنطقة العربية، بعد العمليات العسكرية التي يقوم بها ضد الجيش الإسرائيلي كلما وقع انتهاك واعتداء على النساء أو المصلين في القدس.
نادت الاحتجاجات الأخيرة في عَمّان بقيادات الذراع العسكري لحركة حماس، تحديدًا محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، والناطق الرسمي باسم الحركة أبو عبيدة، ويحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة، في حين غابت عن الاحتجاجات أسماء شهيرة مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وخالد مشعل رئيس مكتبها الخارجي أو الدولي. وفي ذلك مساران من التحول: الأول أن الجماهير الأردنية المناصرة للقضية الفلسطينية تفضل المواجهة العسكرية المسلحة على المواجهة السياسية، والثاني أن ضعف السلطة الفلسطينية والفراغ السياسي الذي أحدثته جعل جماهير حركة فتح والحركات اليسارية والحزبية تنتقل إلى صفوف حركة حماس، التي لم تعد مجرد حركة، بل تكرست في الذهنية الأردنية والعربية كأيديولوجية.
النزعة العشائرية الأردنية وهوية المقاومة
تمثل العشائر في الأردن إحدى ركائز النظام الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد، ولدى العشائر موقف تاريخي يساند الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وخلال فترة وحدة الضفتين شارك أبناء العشائر في الحروب ضد الجيش الإسرائيلي. الجديد في الخطاب العشائري مؤخرًا في أحداث غزة كان الموقف المساند لحماس بشكل عام، ولكن مع تخصيص وتأييد واضح لشخصية محمد الضيف الذي تردد اسمه كثيرًا في الخطاب الاحتجاجي ، منذ بدء الحرب بين غزة وإسرائيل.
الموقف الرسمي الأردني ولهجة الحرب
بقي الموقف الأردني تجاه الحرب على غزة في مرحلة رد الفعل الديبلوماسي على الأحداث الجارية، خصوصًا مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي والرئيس بايدن الذي لم يتمكن من زيارة الأردن. وعلى ما يبدو، تتعامل السياسة الخارجية الأردنية مع ملف الحرب على أنه مرحلة استباقية لمرحلة توسع في رقعة الحرب من غزة إلى الضفة الغربية، وقد يحدث ذلك في أي لحظة. وهذا هو الهاجس الأهم بالنسبة للأردن، ويبدو أن هناك تنسيقًا وتقاسمًا للأدوار بين الأردن ومصر، بحيث تكون غزة شأنًا مصريًا بالدرجة الأولى، وتكون الضفة كذلك بالنسبة للأردن الذي يخشى من سيناريو “الترانسفير” الذي يعتبره تعديًا على الأمن القومي ونهاية فكرة فلسطين. وهنا نجد خطابًا جديدًا غير مسبوق بالنسبة للأردن الذي أدخل مفردة “الحرب” إلى خطابه المتعلق بالقضية الفلسطينية.
من بين التحولات الأخرى المتعلقة بالموقف الأردني الرسمي، دخول ولي العهد الأمير الحسين في خط الخطاب السياسي، والذي اتخذ موقفًا حادًا من الممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة. كما قام بالإشراف على قوافل المساعدات التي قدمها الأردن إلى غزة عبر معبر رفح المصري. بينما بذل وزير الخارجية أيمن الصفدي جهود كبيرة في الأمم المتحدة، انتهت إلى تبني قرار أردني صوتت له 120 دولة يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”، وإلى قف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس، إلا أنه يبقى قرار غير ملزم ، وهجمات الجيش الإسرائيلي على المدنيين في غزة تزداد دون توقف. ومؤخرا، اتخذ الأردن خطوة مهمة باستدعاء سفير الأردن في إسرائيل، وطلبت من إسرائيل عدم إعادة سفيرها إلى الأردن.
الهاجس الأردني الحقيقي في حرب غزة وإسرائيل، هو تصعيد الحرب نحو الضفة الغربية، يدرك الأردنيون تمامًا أنهم قد يكونون أمام سيناريو التهجير الذي لا يتمناه أحد، وربما يحاربون من أجل ألا يحدث. ففي ذلك كارثة حقيقية على الأردن ديموغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، وقبل ذلك كارثة على مستقبل القضية الفلسطينية. وقد عملت الحرب الدائرة في غزة على استشعار الأردن بخطورة التغيير في المعركة، خصوصًا وأن إسرائيل التي تمتلك الضوء الأخضر والدعم الأمريكي لوجستيًا وسياسيًا، تقوم بممارسة رد الفعل المتسرع الذي قد يعمل على تدويل الأزمة ويضع الشرق الأوسط في حالة توتر مفتوح لا يمكن السيطرة عليها بسبب تعدد أطرافها وخصوصية جغرافيتها السياسية.
تغيرت اللهجة السياسية الأردنية بشكل حاد تجاه إسرائيل، التي تعيش واحدة من أسوأ علاقاتها مع الأردن. ومن الواضح أن الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تساهم بشكل متسارع في تكريس “أيديولوجية حماس” في ذهنية الفلسطيني أولاً، ثم في ذهنية الأردني والعربي. وهذا ما يضع مستقبل الأمن والاستقرار المدني في إسرائيل على المحك، خصوصًا مع التغيرات الجديدة في الخريطة السياسية للمنطقة العربية والشرق الأوسط، وما يرافقها من تحالفات جديدة، بداية من تكتل “بريكس“، وقرب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ومن جهة أخرى تزايد الحضور الإيراني في المنطقة العربية.
المصدر: مركز كارنيجيعبدالله الجبور، هو باحث في معهد السياسة والمجتمع، درس العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال، تتركز أبحاثه على قضايا الهوية والمواطنة، والدولة والتحول الديموقراطي. لمتابعته على “أكس” @jbour_abdullah.