إذاعة مجمع اللغة العربية الأردني تستضيف عبدالله الجبور من مركز المواطنة للحديث عن كتاب الهويات القاتلة للكاتب أمين معلوف

الهويات القاتلة – أمين معلوف

الكتاب الذي سأتحدث عنه، هو كتاب الهويات القاتلة للكاتب اللبناني-الفرنسي أمين معلوف، وهو كتاب صدر بالفرنسية وترجم إلى اللغة العربية منذ أعوام، والطبعة المحدثة منه صدرت في شهر آب 2021 عن دار الفارابي في بيروت.

**

اشتمل الكتاب على إشارات عميقة على مسألة الهوية وجوهر الهوية، وجوهر الهوية بطبيعة الحال هو إحساس الناس بالمشترك، إحساسهم إلى موئل مشترك يجمعهم. وهي مسألة وجدانية أكثر منها عقلانية.

**

ليس الكتاب كتابا أكاديميا على طريقة معلوف الذي يغلب الأدب على كتاباته، إلا أنه كتابًا يحتوي خواطر وجدانية عميقة، ومستوى من الروح والمعنى الإنسانية في التعاطي مع الهويات المتعددة، ليس معتادًا في الكتابات العربية المعاصرة عن الهوية، والتي تسير في أحد مسارين: 

1- إما كتابات الذين يتمسكون بالهوية تمسكًا شديدًا ينتهي إلى الإنغلاق، ولا يقبلون فكرة تعدد الهويات ويختزلون الكائن البشري والمجتمع البشري في بعد واحد، وهذا الذي ساد في الأيديولوجيات السياسية مع الأسف.

2- أما المسار الثاني، فهو مسار بعض المثقفين العرب الذين يتنكرون لأي هوية بدعوى العولمة.

**

ميزة كتاب أمين معلوف، هو أنه يتناول مسألة الهوية تناولاً تركيبيًا، بالمقابل يأتي خطاب معلوف بعنوان الهويات القاتلة، أي أن مسألة الهوية لاتزال تمثل بؤرة صراع في ثقافتنا لغاية الآن.

**

يرفض أمين معلوف الحلول التبسيطية والاختزال، ويقول في الكتاب: أنا لا أؤمن في الحلو التبسيطية مثلما لا أؤمن بالهويات التبسيطية، فهو يؤمن كما يؤمن أغلب الباحثين الجادين في مسألة الهوية، بأن الإنسان لا يمكن اختزاله في بعد واحد وأنه لا يوجد مجتمع يتسم بالنقاء، لا النقاء الديني ولا النقاء العرقي، ولا أي نوع من انواع النقاء، والمجتمع البشري في النهاية يظل مجتمعًا متنوعًا.

**

يدلل أمين معلوف على خصوصية وأهمية دينامية الهوية عندما يقول عن نفسه: (أتشارك مع كل كائن بشري بعض الانتماءات المشتركة، ولكن لا يوجد إنسان في العالم يشاطرني كل انتماءاتي، ولا حتى معظمها) بالتالي كل شخص يتمتع بهوية مركبة.

**

من المسائل المهمة جدًا التي يتحدث عنها كتاب الهويات القاتلة، مسألة التراتبية والسياق في إدارة الهويات، وينطلق من فكرة أن الهوية الجمعية هي ظاهرة سياقية، تتحدد بالنظر إلى الآخر، وتأتي تراتبيتها بحسب علاقتها مع هذا الآخر.

ويشير إلى ذلك من خلال دينامية الهوية والسياق الذي يحدد أهمية هوية معينة من هوياتنا، ويعاد ترتيب الهويات بضغط من السياق وبقدر ما تكون داخل أو خارج بؤرة الصراع، والمسألة الأخرى أن ترتيب الهوية،  قد يكون بضغط من السياق، وقد يكون بتخطيط وهندسة اجتماعية وحكمة سياسية تقتضي إبراز هوية عل حسب هوية بهدف تحقيق الصالح العام. وهذا أمر مهم للدولة التي تريد إدارة الهويات إدارة حكيمة.

المشكلة التي نعاني منها وهي أحد أهم أسباب الصراع في مجتمعاتنا كما يراها كتاب أمين معلوف، هي بقاء الهوية في حالة جمود متحجرة، أو كبت الهويات، وهو أمر يؤدي إلى كثير من الصراعات.
النهاية: كتاب الهويات القاتلة، كتاب انسيابي لطيف، من السهل قرائته، وهو كما قلنا ليس كتابا أكاديميا، وأسلوبه جميل جدا وهذه طبيعة أمين معلوف فهو كاتب بارع ولا ننسى أنه كاتب الرواية الجميلة سمرقند، وحدائق النور، أنصح بقراءة الكتاب بالنسبة للباحثين والمهتمين بدينامية الهوية وإدارتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى