تجربتي في اللجنة الملكيَّة لتحديث المنظومة السياسيَّة

*لينا العالول – مجلة الوعي السياسي

في مساء أحد الأيام، تلقيت اتصال هاتفي من الديوان الملكي العامر، أخبروني فيه بأنه تم اختياري لأكون عضوا باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. في تلك اللحظة، لم أصدق نفسي من الفرحة. فأنا ابنة عائلة اردنية تشبه معظم العائلات في وطننا الحبيب، عائلة ربت أبنائها وبناتها على حب الوطن، وسلحتهم بالإيمان والعلم والأمل، في زمن أصبح فيه التمسك ببارقة الأمل، عملاً وطنياَ بامتياز.

يتساءل البعض عن سبب وتوقيت تشكيل اللجنة الملكية، والحقيقة أن السبب واضح ولا سر فيه. فاليوم نحن وبحمد الله أتممنا المئوية الأولى من عمر الدولة الحديثة، وها نحن اليوم، نرسم ملامح المئوية الثانية لمسيرة بلد عظيم، بقي شامخا وصامدا، رغم المحيط الملتهب وشح الموارد وكيد المرجفين.  ومن المنطق أن ندخل المئوية الجديدة، بأدوات وقوانين عصرية، تتناسب مع متطلبات العصر ومعطيات المرحلة. كما أن التحديث من سمات الشعوب الحية، وشعبنا الأردني كان دوما في مقدمة الشعوب الطامحة للتقدم والإصلاح. كما أننا جميعا وفي ذات الوقت التي نشعر به بالفخر بما أنجز بلدنا في مسيرته الطويلة، نشعر أيضا بواجب المسؤولية في مواصلة التطوير لضمان حق الأردنيين والأردنيات في ممارسة حياة سياسية ترقى بديمقراطيتهم، وتسهم في تحقيق أمنياتهم.

لقد شكلت اللجنة الملكية نقطة فارقة في حياتي، ولربما في حياة الكثيرين من الشباب. فبالنسبة لي، لقد كانت المدرسة وميدان العمل في الوقت ذاته. فعند تكليفي بشرف هذه المهمة، شعرت بالكثير من الامتنان والعرفان للإرادة الملكية السامية، وبالطبع شعرت بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي. وحينها عقدت العزم على أن أبذل كل ما بوسعي لأكون على قدر الثقة الملكية والآمال الشعبية وبالذات آمال أقراننا الشباب.   كما أنني قد  تشرفت بصبحة الزميلات والزملاء من أعضاء اللجنة، والذين هم من كافة المشارب والأطياف السياسية والفكرية ،ولهم باع طويل في العمل السياسي والعام. ولو استمعت لأي نقاش من جلساتنا المنعقدة في مضارب آل هاشم، لطربت لتلاطم الأفكار وتناغمها للخروج بتوافق يرضي الضمائر والعقول. فالاختلاف بالرأي والتنوع بالخبرات ، كان في حقيقة الأمر، مصدر إثراء لمخرجات اللجنة.  فلقد كان من الملهم، رؤية التجسيد الحقيقي لمقولة ” الاختلاف يجب أن لا يكون سببا للخلاف”، حيث ساد جو من التعددية واحترام الرأي الآخر تحت الخيمة الملكية.  ومما لا شك فيه، بأننا جميعا في اللجنة الملكية، وإن اختلفنا على بعض التفاصيل، الأ أننا جميعا  مجمعون على حب الوطن والقائد.

لقد كانت منهجية العمل في اللجنة، مبنية على دراسة ومناقشة القوانين الحالية والوضع الراهن والاطلاع على التجارب الناجحة والممارسات الفضلى في عالمنا العربي والعالم بأسره، والاستماع للمواطنين وتوصياتهم ،وتحديد الهدف الذي نسعى لتحقيقه، مستندين بذلك الى رسالة التكليف السامي ومسترشدين الأوراق النقاشية لجلالة الملك وتوجيهاته السامية، لنقوم بوضع مشاريع قوانين توافقية تضمن الانتقال المتدرج نحو تحقيق الأهداف المستقبلية كاملة، والتمثيل العادل للمواطنين على امتداد الوطن، وتخدمهم في حاضرهم، وتستشرف تطور حياتهم ومستقبلهم.

ولعل ما زاد سروري وشعوري بالمسؤولية، هو أن تشكيل هذه اللجنة، قد شكل أملاً لدى العديد من الشباب واليافعين ،وعلى الرغم من كافة التحديات التي نواجهها اليوم كشباب من ارتفاع نسب البطالة وشح المساحات الآمنة والفرص المتاحة لمشاركة الشباب في صنع القرار. ففي جميع لقاءاتنا الميدانية حول المملكة، لمست أنا وزملائي، الغبطة والسرور عند الناس وعند الشباب بالتحديد، لوجود عشر شباب وشابات أردنيات ” من عامة الشعب”  تحت سن الخامسة والثلاثين في اللجنة الملكية. كما يؤمن العديد من الشباب، أن هذه اللفتة الملكية، قد شكلت منعطفا إيجابيا في سياسة الدولة سيساهم في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وتعزيز دور الشباب الأردني في تمثيل نفسه واستكمال مسيرة البناء في المئوية الثانية.

ولتسهيل آلية العمل، تشكلت ست لجان فرعية، عنيت كل واحدة منها بعنوان محدد. فتشكلت لجنة للأحزاب ولجنة للإنتخاب وأخرى للإدارة المحلية والمرأة والشباب والتعديلات الدستورية.  أما أنا فقد كان خياري الأول والوحيد، ان أكون عضوا في لجنة الشباب، لأعمل بجد مع زملائي في اللجنة، على إزالة ولو بعض المعيقات التي تحد من مشاركة الشباب الفعلية في العمل السياسي. فأوصينا بتخفيض سن الترشح للبرلمان والاستعاضة عن تقديم الاستقالة بأخذ إجازة غير مدفوعة، وتحفيز وجود المرأة والشباب داخل الهياكل التنظيمية للأحزاب وضمان وجودهم في التراتيب الأولى للقوائم الحزبية المرشحة للانتخابات، آملين أن نوفر البيئة المحفزة للشباب أو مثل ما قال دولة سمير الرفاعي، “لجيل ولي العهد” لينخرطوا في العمل النيابي والسياسي وخدمة الوطن.  فالشباب الأردني، والذين يمثلون حوالي 70 بالمئة من سكان المملكة، هم الأولى اليوم بتصدر المشهد السياسي في المملكة.

 لقد لعب رئيس وأعضاء الشباب دورا حيويا في اللجنة الملكية، فلقد شاركوا في جميع اللجان الفرعية، ونقلوا آمال الشباب وآلامه. وأثبتوا لكل المشككين، أن الشباب الأردني، قادر ومؤهل، لا بل ومتعطش للعمل السياسي الحقيقي وصنع القرار، وأنهم على قدر ثقة القائد وولي عهده بهم. فالشباب هم هؤلاء الذين تنبض قلوبهم بالانتماء وحب العمل  وتتسلح عقولهم بالعلم والمعرفة، ولا أمل للأمم، الا بشبابها. ولقد أدركنا في لجنة تمكين الشباب، أن الشباب اليوم، يواجه العديد من التحديات، والتي قد تتجاوز نطاق ما تم تكليفنا بالعمل على تحديثه، كقانوني الأحزاب والانتخاب وتوصيات للإدارة المحلية. وعليه، فقد استئذنا جلالة الملك بتقديم ورقة بيضاء أو ورقة إحاطة، سمًها ما شئت، لنقل صوت الشباب وهمومهم الاقتصادية والاجتماعية. وذلك استجابة منا لمطالب الشباب وأملاً في ايجاد السبل الكفيلة لتحفيز مشاركتهم في الحياة العامة.

اليوم، أصبحت مشاركة الشباب في صناعة القرار، مصلحة وطنية بامتياز. فالشباب هم الشريك الأهم للحكومات لتحقيق التنمية بكافة أنواعها. إن تهميش الشباب وعدم اشراكهم في مسيرة البناء، لهي جريمة بحق الوطن والمواطن.  فالمصلحة العامة تقتضي وجود أصحاب الخبرات والشباب جنبا الى جنب، وعلى أساس الكفاءة والعدالة وبعيدا عن المحاصصة، وبما يحقق مصلحة الوطن. فالجميع اليوم بحاجة للعمل الصادق والجاد لإعادة الثقة بمؤسساتنا الوطنية الراسخة، التي نريدها على الدوام، قريبة من المواطن، تلمس حاجات الناس وتلبي طموحاتهم. وهذا لا يتحقق الا بوجود قادة شباب جدد يؤمنون أن العمل يجب أن يكون للصالح العام، ويؤمنون بتعظيم المسؤولية والشفافية، وإشراك المواطنين في إيجاد الحلول، وتعزيز العدالة ومبدأ الكفاءة، وحماية الحريات العامة والتأسيس للإلتزام الحقيقي في مفهوم الدولة المدنية القوية والمواطنة الفاعلة وسيادة القانون.

____________________________

*لينا العالول : عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وعضو اللجنة الفرعية لتمكين الشباب، ومساعدة رئيس اللجنة الملكية.  حاصلة على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية بدرجة الامتياز، وبكالوريوس اللغة الانجليزية التطبيقية واللغويات والترجمة، وناشطة في الشأن السياسي والشبابي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى