عبدالله الجبور: المعلِّم والمتعلِّم في عالمٍ رقمي
أَجبر وباء كوفيد 19 الحكومات في كل مكان على إعادة تعريف الدولة العظمى، ومراجعة مفهوم الأمن القومي للدولة، والبحث عن إجابة لسؤال: هل الأمن القومي هو أمن عسكري؟ أم أنَّه أمن غذائي وصناعي؟ أم أنه الأمن الصحي والعلمي؟ أم أنه جميع ما ذكر ولكن بأولويَّات مختلفة؟
إذا تأمَّلنا حال الدول في سلَّم ترتيب منظَّمة الصحَّة العالميَّة لأكثر الدول تضرُّراً بالجائحة، يأخذنا التأمُّل تلقائيّاً إلى معادلة الإنفاق على التسليح والإنفاق على العِلم، ونجد “فيروس” لا يُرى بالعين المجرَّدة، يحوِّل ترسانات من الأسلحة إلى قطع من الخردة، وهذا يقودنا إلى فرضيَّة تستحقّ التمسُّك بها، وهي أنَّ المستقبل هو لقوَّة العِلم وليس لقوَّة السلاح.
نشاهد خلال الأزمة العالميَّة، مشهد التعليم والتعلُّم الرقمي في كل مكان، حيث تفرض التكنولوجيا على المجتمعات الانصياع لها، ونجد هنا حفل تخرّج رقمي لطلبة الجامعة، وهناك مناقشة رقميَّة لأطروحات التخرُّج في الدراسات العليا، والأهم هو مقاعد الدراسة الرقميَّة للطلبة في جميع أنحاء العالَم بمشهدٍ موحَّد، ممتلئ بالإيجابيّات والسلبيّات على منظومة التعليم المعتادة.
المدرسة الرقميَّة:
أعاد مشهد المدرسة الرقميَّة، اتِّجاه الفلاسفة التربويّين الذين ينادون باللامدرسيَّة، وهو الاتِّجاه الذي يعني في صورته المعتدلة، عدم الاعتماد على المؤسَّسات التعليميَّة النظاميَّة في القيام بمهمَّة التربية والتعليم واستثمار كافة القوى والمؤسَّسات التي يمكن أن يكون لها دور في تربية الإنسان، ومن هنا تأتي أهمّيَّة الوصول إلى التعليم والتعلُّم بالاستناد إلى التكنولوجيا، خصوصًا في المنطقة العربيَّة التي تعيش حالة اللا إستقرار نتيجة التغيّر المستمرّ للنظام والانتظام الاجتماعي، والذي ينعكس سلباً على نهج النظم التعليميَّة واستراتجيّاتها، ممَّا يجبرها على التعايش مع فوضى التعلُّم المدرسي.
يتيح التعليم بالوسيلة الرقميَّة فرصة مواتية لبسط العدالة في التعليم والحصول على تعليمٍ ذي جودة عالية إذا ما توفَّرت الأدوات اللازمة لذلك، خصوصًا في منطقتنا العربيَّة التي تعاني من إشكاليَّة الجودة الجغرافيّة في التعليم، حيث نجد مخرجات التعليم في الأرياف والبوادي والمخيمات، تختلف عنه في المدينة، بالتالي يضع التعليم الرقمي الطلبة أمام فرص متساوية في الحصول على والوصول إلى ذات مصادر وأدوات التعلّم.
يتيح التعليم بالوسيلة الرقميَّة فرصة مواتية لبسط العدالة في التعليم والحصول على تعليمٍ ذي جودة عالية إذا ما توفَّرت الأدوات اللازمة لذلك، خصوصًا في منطقتنا العربيَّة التي تعاني من إشكاليَّة الجودة الجغرافيّة في التعليم.
صحيح أنَّ المعلِّم في المدرسة الرقميَّة لا يشعر بأهمّيته الكبيرة كما يجدها في المدرسة التقليديَّة، حيث مشاعر وتفاعلات الطلبة تحفِّزه وتطوّره، إلا أن ذلك قد يكون جيّداً بالنسبة للطالب الذي يعيش حالة أكبر من الاهتمام (سيكولوجيّا) بسبب التواصل التعليمي بالمواجهة المباشرة وجها لوجه، وكأنَّ أستاذه الذي يتحدَّث إلى جميع الطلبة أصبح يتحدَّث له وحده، كما أنَّ هذا النوع الجديد من الاتِّصال والتواصل، يتيح للمعلِّم فرصة لمراجعة خطابه وأدواته ومصادره تجاه الطلبة، كما يتيح له رؤية نفسه والكيفيَّة التي يرسل بها الرسالة التعليميَّة، كما أنَّ هذا النهج الجديد يفرض بالضرورة جودة على التعليم الذي انتقل من التكرارات اليوميَّة لمجموعات مختلفة من الطلبة، إلى تكرارات محدودة تحتاج باستمرار إلى تطوير الأداء من قبل المعلّم ومن قبل إدارة المدرسة، والأهمّ من قبل الأهالي الذين أصبحوا يشاهدون ويقيّمون أداء المعلمين مع أبنائهم.
تعليم أبناء اللاجئين والمهجرين رقميًا:
بحسب المفوضيَّة الساميَّة لشؤون اللاجئين، فإنَّ العالَم يشهد الآن أعلى مستويات مسجلة للنزوح منذ نشوء المفوضيَّة عام 1950، فقد أجبر (70.8) مليون شخص في كافة أنحاء العالم على الفرار من ديارهم، وهو رقم لم يسبق له مثيل. كما أن من بين هؤلاء حوالي (25.9) مليون لاجئ، أكثر من نصفهم دون سن الـ 18 عاماً.
وأنَّ (80) % من المهجّرين حول العالم يعيشون في البلدان النامية، وتحتضن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يزيد عن (16.8) مليون لاجئ، (47)% منهم حول سن 18 عام، أي أنَّنا أمام فرصة مواتية لحصول أطفال اللاجئين والمهجَّرين على فرصة الوصول إلى التعليم، وربما قد تغفر الدول المتسبِّبة بالحروب لنفسها، إذا ساهمت في استحداث مشروع عالمي للمدرسة الرقميَّة، تشارك به دول العالم وتضع مناهجها ومقرّراتها في متناول الإنسان أينما ذهب، ومها كانت الظروف المستقبليَّة التي يعيشها.
أنَّنا أمام فرصة مواتية لحصول أطفال اللاجئين والمهجَّرين على فرصة الوصول إلى التعليم، وربما قد تغفر الدول المتسبِّبة بالحروب لنفسها، إذا ساهمت في استحداث مشروع عالمي للمدرسة الرقميَّة، تشارك به دول العالم وتضع مناهجها ومقرّراتها في متناول الإنسان أينما ذهب، ومها كانت الظروف المستقبليَّة التي يعيشها.
التعلُّم؛ ذلك الكنز المكنون
أشار تقرير قدّمته إلى اليونسكو اللجنة الدوليَّة المعنيَّة بالتربية للقرن الحادي والعشرين، والذي أشرف عليه جاك ديلور وعنونه بـ التعلُّم: ذلك الكنز المكنون، إلى أنَّه ينبغي أن يكون تطوّر التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتِّصال منارا لتفكير شامل في موضوع الوصول إلى المعرفة في عالم الغد؛ لذلك أوصت اللجنة بما يلي:
- تنويع وتحسين التعليم عن بعد باستخدام التكنولوجيات الجديدة.
- زيادة استخدام التكنولوجيَّات في مجال تعليم الكبار، ولا سيما في مجال التدريب المستمرّ للمعلّمين.
- تعزيز البنى الأساسيَّة والقدرات في هذا المجال في البلدان النامية.
بالرغم من تعبير باولو فرير، بأنَّ المجتمع هو الذي يشكِّل التربية لا العكس، بالمقابل يصعب تنمية إنسان مقهور، فإنَّني أخالفه الرأي، وبأنَّ الإنسان المقهور لا يعني بالضرورة توريث القهر للأبناء، ويمكن للتعليم والتعلّم الجيد، أن يغيّر حالة الإنسان المقهور ويجعله أباً فخورا.