اتجاهات الديمقراطيَّة في الدول العربيَّة بعد الربيع العربيّ
بيداء القاضي
عند صدور التقارير التابعة للمؤسسات الدوليَّة المختصة في قياس مستوى الديمقراطيَّة في الدول بمختلف أنحاء العالم؛ يستهجن الشعب العربيّ مستوى الديمقراطيَّة في دولهم، فما هو مفهوم الديمقراطيَّة في العالم العربيّ، وكيف أصبح اتجاه الديمقراطيَّة بعد الربيع العربيّ وكيف سيكون مستقبلاً؟
إذا قمنا بأخذ مقياس الديمقراطيَّة التابع لمجلة الإيكونوميست البريطانية «The economist intelligence unit» والذي يقيس ديمقراطية الدولة وفقاً للعلامة الحاصلة عليها من 10 في مقياس كُلي يستند عمله على خمس مؤشرات رئيسية وهي «العملية الانتخابية والتعددية وأداء الحكومة و الثقافة السياسيَّة الديمقراطيَّة والمشاركة السياسيَّة والحريات المدنية» ويندرج تحت هذه المؤشرات: 60 مؤشراً فرعياً، يكون ذلك من قبل مجموعة من الخبراء وبناءً عليه يتم تقسيم الدول إلى أربع أنماط تعرف الديمقراطيَّة وفقاً للأنظمة السياسيَّة وهي:
اولاً: الديمقراطيَّة الكاملة «full democracies» تحصل فيها الدولة على 8 علامات أو أكثر وتتسم بأنها الدولة التي تحترم الحريات السياسيَّة والمدنية وتعزز من الثقافة السياسيَّة بهدف الوصول إلى الديمقراطيَّة، أما بالنسبة إلى الأداء الحكومي فيها فيكون الأكثر فعالية بالإضافة إلى استقلال وسائل الإعلام والسلطة القضائية فيها.
ثانياً: الديمقراطيَّة المعيبة «flawed democracies» تحصل فيها الدولة على 6-8 علامات، وهنا تكون الدولة في تصنيفها أقل من الديمقراطيات الكاملة لاعتبارات تتعلق بالقيود المطروحة على وسائل الإعلام وضعف مستوى المشاركة السياسيَّة والثقافة الديمقراطيَّة.
ثالثاً: الأنظمة الهجينة «hybrid regimes» تكون علامة الدولة فيها ما بين 4-6 وهي الدول التي تعاني أنظمتها عيوب أكثر من النمط السابق كوجود انتهاكات كبيرة في العمليات الانتخابية وضعف سيادة القانون واستقلالية القضاء ووجود قيود على المعارضة السياسيَّة.
رابعاً: الأنظمة السلطويَّة «authoritarian regimes» يعتبر أقل وأسوأ تصنيف للدول التي تحصل على 3.5 علامات وأقل، وتعرف هنا بأنها الدولة الديكتاتورية التي تعمل على تقييد الحريات المدنية ووسائل الإعلام كما أن السلطة القضائية فيها لا تتمتع بالاستقلالية، بالإضافة إلى عدم نزاهة الانتخابات فيها، وعلى الرغم من وجود المؤسسات الديمقراطيَّة فيها إلا أن آلية عملها تتم بصورة شكلية.
وإذا قمنا بأخذ عينة من الدول العربيّة بناءاً على نظامها السياسي «دول ملكية، دول جمهورية» وهي الأردن- الكويت- لبنان- الجزائر، لمعرفة اتجاه الديمقراطيَّة فيها خلال الفترة 2011- 2020، وفقاً لأخر تقرير تم إصداره من وحدة المعلومات الاقتصاديَّة، علماً بأنني هنا اعتمدت على علامة الدول وليس ترتيبها في مقياس الديمقراطيَّة حتى تكون المقارنة محددة فقط بعينة الدول المأخوذة، وعليه سوف نلاحظ التالي:
أولاً: بالنسبة لعينة الدول الملكيَّة والتي تصنف بأنها أنظمة سلطوية، تبين التقارير السنوية بأن اتجاه مؤشر الديمقراطيَّة في الأردن يدل على تذبذب الديمقراطيَّة فيها، أي بمعنى خلال الفترة 2011-2013 كانت الأردن على مؤشر الديمقراطيَّة في تراجع، أما في عام 2014 وحتى 2019، فأنها تحسنت بشكل بسيط ومن ثم تراجعت في عام 20200 وبالنسبة إلى دولة الكويت فهي كانت في حالة تراجع ومن ثم تقدم بشكل بسيط، وتبين التقارير السنوية العلاقة الإيجابيّة بين بداية امتداد الربيع العربيّ في الدول المجاورة واتجاه الديمقراطيَّة في الكويت، ففي عام 2011 حصلت على علامة 3.74 بالمقابل في عام 2015 حصلت على علامة 3.85 إلا أنها تراجعت بشكل بسيط في عام 2020 لتصل الى 3.80 بالمقارنة مع 3.90 في عام 2019.
ثانيًا: أما فيما يتعلَّق بعينة الدول الجمهوريَّة، على الرغم من تصنيف لبنان بأنها من الديمقراطيات الهجينة، إلا ان اتجاه الديمقراطيَّة خلال فترة الربيع العربيّ وحتى عام 2020، يسير باتجاه تنازلي، مما يدل على تراجع الديمقراطيَّة فيها، فعلى سبيل المثال في عام 2011 حصلت على علامة 5.32 بالمقارنة مع 4.16 في عام 2020، أما الجزائر فكان اتجاه الديمقراطيَّة يسير بشكل تصاعدي وذلك بالتزامن مع الحركات الشعبية الاحتجاجية فيها خلال الفترة الممتدة ما بين 2011-2015، إلا أنها تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة، وهي مصنفة من ضمن الأنظمة السلطويَّة باستثناء عام 2019 التي حصلت فيه على علامة 4.01.
وعلى الرغم من تصنيف عينة الدول الملكيَّة بأنها أنظمة سلطوية، وتذبذبها على مؤشر الديمقراطيَّة ما بين تقدم وتراجع، إلا أن الأنظمة السياسيَّة فيها حافظت على وجودها بكل ثبات بعكس عينة الدول الجمهوريَّة التي شهدت حالة من التغييرات التي طالت النظام الحاكم والدستور وغيرها، ولعل أبرز القضايا المشتركة التي تعاني منها الأنظمة العربيّة هي التي ترتبط بالإصلاحات الاقتصاديَّة والعدالة الاجتماعية إلى جانب الحد من انتشار الفساد وضعف الأداء الحكومي في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات التي تتناسب مع المواطنين، بالإضافة إلى احترام الحريات المدنية ومنع فرض القيود عليها.
من خلال أطروحتي في الماجستير المتخصصة في مجال الاستشراف المستقبلي والتي تحمل عنوان”تطبيق مصفوفة التأثير المتبادل لقياس معامل الارتباط بين مؤشر غيني والاستقرار السياسي والديمقراطيَّة في الدول العربيّة خلال الفترة 2005-2020″ فقد قمت بتحديد اتجاه الديمقراطيَّة بالدول العربيّة حتى عام 2024 وعليه توصلت إلى أن اتجاه مؤشر الديمقراطيَّة مستقبلاً في كل من الأردن والكويت والجزائر؛ سيطرأ عليه تحسن طفيف، ويعني ذلك تأثر حالة الديمقراطيَّة بشكل إيجابي مستقبلاً بالدول الثلاث، أما بالنسبة إلى لبنان؛ فأنّ اتجاه مؤشر الديمقراطيَّة فيها مستقبلاً سيطرأ عليه تراجع خلال السنوات القادمة، مما يعني ذلك تأثر حالة الديمقراطيَّة بشكل سلبي مستقبلاً.
يمكننا الاستدلال على أن ثورات الربيع العربيّ كان لها تأثير واضح على حالة الديمقراطيَّة في عينة الدول العربيّة، ومن خلال الاعتماد على تصنيف الأنظمة السياسيَّة التابع لنموذج وحدة المعلومات الاقتصاديَّة والذي يستند على عدد كبير من المؤشرات، فتناولت الأبعاد المتعلقة بمدى كفاءة المؤسسات الرسمية وانتشار الفساد ومدى الرضا عن القيم والمبادئ الديمقراطيَّة وفاعلية الأحزاب السياسيَّة وعدد النساء في البرلمانات بالإضافة الى التركيز على معدلات الأمية في الدول… الخ.
واخيراً يمكننا بالنهاية للوصول الى تعريف يتناسب مع حالة واتجاه الديمقراطيَّة في العالم العربيّ بشكل عام ومن خلال الاعتماد على النموذج الكمي الذي يوثق هذه الأبعاد بالأرقام في ظل تصنيفها ضمن الأنظمة السلطويَّة، باستثناء دولة المغرب التي تميزت حالة الديمقراطيَّة فيها بمعدلات إيجابية خلال الفترة ما بين 2011-2020، كما أن دولة لبنان تعتبر من الأنظمة الهجينة على الرغم من تراجع حالة الديمقراطيَّة فيها الا انها بقيت ضمن هذا النمط.
بيداء القاضي: باحثة في تخصص العلوم السياسيَّة/ الاقتصاد السياسيّ الدوليّ وناشطة في المجال السياسيّ، مهتمة بدراسات الاستشراف المستقبلي في حقل العلوم السياسيَّة على المستوى المحليّ والعربيّ.
بيداء القاضي، اتجاهات الديمقراطيَّة في الدول العربيَّة بعد الربيع العربيّ، مجلة الوعي السياسي، العدد (2)، شتاء2023. الصفحة 8-10.