الشباب الأردني وتحديات الانتظام الحزبي

*عبدالله الجبور

تستعد الأردن في مرحلة ما بعد اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلى المضي قدمًا بمسار جديد للتحول الديمقراطي، ويتضح من التوصيات الأوليّة لمخرجات عمل اللجنة، بأنَّ المسار الجديد، يرتكز على التحول الحزبي للمشاركة السياسية البرامجيَّة، وأن صناعة القرار والسلطة التنفيذية، ستكون من خلال برنامج حزبي، وسيشكّل جيل الشباب ركن البناء الديمقراطي وعاموده الفقري وفق التوصيات الأوليّة على مستوى التشريعات والسياسات.

1- تأثير التفكير البيروقراطي في إيجاد نموذج حزبي منتج سياسيا:

تدور عملية تطوير العمل الحزبي في الأردن بمرجعية بيروقراطية تقوم على الجانب الكمي والرمزي، أي “الحشود الأعضاء المنتسبين للحزب” مع إهمال دور الاتصال السياسي الحديث، بالإضافة إلى الفكرة الأساسية للحزب وهي “البرنامج السياسي”، وإلى المقدرة على تنفيذ هذا البرنامج وإقناع الجماهير لمؤازرته بعيدا عن ما يمتلكه الحزب من أرقام في عضويته.

يجب أن تكون الفعالية السياسية للعمل الحزبي مبنية نظريا على الصلة والتأثير، بعيدا عن ما تملكه الأحزاب من أعداد منتسبين، بل ما تملكه من برامج سياسية قادرة على إقناع أكبر عدد من المواطنين المؤازرين للتصويت لهذا البرنامج في الانتخابات، حيث يمكن لمجموعة من الأشخاص تكوين برنامج سياسي قادر على إيجاد حلول تنموية وإقناع عدد كبير من المؤازرين بهِ دون الحاجة إلى تكديس أرقام وطنية كمية غير فاعلة في ملفات الحزب.

2- التمثيل السياسي والتمثيل الانتخابي:

أصوات الناخبين في الأردن بشكل عام، تقارب من 4 ملايين ونصف، المكون الشبابي دون سن 35 عام يزيد عن 2 مليون، أي أنه يقترب من نصف أعداد الناخبين، وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مشاركة كبيرة في التصويت لفئة الشباب دون سن 25 عام مقارنة مع بقية المكونات، وبرقم تجاوز 358 ألف صوت، وهذا الرقم مقارنة بانتخابات لم تصل نسبتها العامة 30% يعتبر هذا رقم كبير نسبيا.

لا ينطبق وصف “العزوف السياسي” على حالة جيل الشباب في الأردن، لأنه جيل فاعل في المجتمع المدني، يشارك في برامج وأنشطة تتعلق بالديمقراطية والحوار السياسي، يتفاعل مع الأحداث السياسية التي تتعلق بالمجتمع والدولة، يعبّر عن رأيه في قضايا الشأن السياسي العام مع أقرانه وفي المساحات الرقمية، وهذا واضح لا يحتاج إثبات، بالتالي، الشباب يشارك سياسيا، ولكنه لا يمارس العمل السياسي.

إذا ما أردنا تعميق التحول الديمقراطي وتوظيف الأدوات المتاحة في صون هذا التحول، علينا صنع سياسيات تساهم في التمثيل السياسي وحماية أدوات المساءلة وتأسيس علاقة “مصلحة سياسية تبادلية” بين الفرد والجماعة والدولة.

3- الجيل السياسي الأردني:

يوجد في الأردن جيل سياسي ينقسم إلى مرحلتين، الأول هو الجيل الذي عايش يوميات الثورات والاحتجاجات العربية، اكتسب ثقافة سياسية في المساحات التي وفرتها منظمات المجتمع المدني، أما القسم الثاني فهو جيل أقل سنا بقليل، تنتابه حالة “لا أدرية سياسية”، عايش النصف الأخر غير الإيجابي من الثورات التي كانت تتجه نحو حروب أهلية في دول، وتفشل في دول أخرى نتيجة صراع النخب على السلطة، وفي دول أخرى بدأت مسار عكسي، أي الانتقال من الديمقراطية إلى الانتقال نحو الديكتاتورية.

المشترك في المرحلتين لهذا الجيل، أولاً– الخيبة السياسية والشعور بلا جدوى العمل السياسي وغياب حالة اليقين والإنجاز السياسي، ثانيًا– اضطراب العلاقة مع الدولة وغياب الثقة، ويعتقد الجيل سيكولوجيا أن الدولة أيضا لا تثق بهِ لأنها لا تشركه في صناعة القرار وشغر المواقع القيادية، ثالثًا– وهو الأهم: صعوبة الانتظام السياسي، أي الانتقال من حالة الخطاب السياسي النظري إلى الفعل السياسي المنظّم الممنهج في قنوات سياسية، سواء أكانت أحزاب، تيارات، أو جماعات ضغط سياسية.

على الرغم من أن جيل الشباب الأردني أكثر اندفاعا نحو التغيير السياسي والاجتماعي، فإنهم عادة ما يكونون أقل قدرة على الانتظام السياسي وصياغة الرؤى البنائية، وذلك نتيجة تراكم مجموعة عوامل، أولها انحسار الممارسة السياسية في مساحات المجتمع المدني بسبب إغلاق المجال السياسي، ثانيها الاغتيال المستمر لصورة العمل السياسي وتنميطه بالاتجاه السلبي، ولأن الجيل انطباعي، يتأثر بالصور النمطية والأحكام المسبقة، فإن نقطة الانطلاق عادة ما تكون في حالة تردد وريبة.

4- طريق الانتظام السياسي الحزبي:

إن أي نموذج تدافع سياسي يقوده جيل الشباب في الأردن، سيشكّل ما يسميه لورانس وايتهيد “العدوى” السياسية والديمقراطية، بالتالي يحتاج جيل الشباب الأردني إلى نموذج سياسي جديد، مقنع لمجموعة صلبة نخبوية منهم (كتلة تغيير وتأثير)، تبني مرجعيتها ومنجيتها السياسية؛ تفعِّل الأدوات المعاصرة للاتصال السياسي؛ وسرعان من تشكل هذه الكتلة “كرة الثلج” السياسية كما يصفها صمويل هنتجتون، ولكن في مسار تحول ديمقراطي يفرض تدافع سياسي وتجديد في بنية العمل السياسي.

__________________________________

*باحث في الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى