الإصلاح السياسي شرط للعيش الكريم
سيف الله حسين الرواشدة – مجلة الوعي السياسي
لضمان نجاح أي خطة تنمية اقتصادية نحتاج إلى رافعتين: إصلاح سياسي حقيقي وانتهاج شفافية حكومية تعتمد المصارحة لكسب ثقة الجمهور، إضافة للعمل على إشراك المجتمع في رسم السياسات الاقتصادية والمالية، إذ أن أي سياسة ضريبية أو مالية لا تحظى بتفاعل المجتمع ونتائجها ستنتهي الى ما دون التوقعات ولن توفر الحافز المناسب للابتكار والاستثمار المطلوب لعملية التنمية.
كما نحتاج إلى مجلس نواب قوي -تشريعي سياسي- غير خدمي يعكس مزاج الشارع ويحظى بثقته، لضمان فعالية عملية مكافحة الفساد ومحاسبة الحكومة.
في دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “الديموقراطية تسبب النمو” شملت ١٨٠ دولة من عام ١٩٦٠ إلى عام٢٠١٠ واعتمدت معدلات النمو الإجمالي للناتج المحلي والدخل الفردي والقدرة الشرائية معاييرًا للدراسة، آخذة بعين الاعتبار عوامل التحولات الديمقراطية والإصلاحات السياسية ونسب الفساد ومعدلات الحرية في الوصول للمعلومات، انتهت الدراسة الى أن ١٢٢ دولة قامت بإصلاحات سياسية و ٧١ دولة اتسمت بممارسات قمعية وشمولية، أما الدول ١٢٢ فقد حققت نسب نمو لإجمالي الناتج المحلي ٢٠٪ أعلى من غيرها، وكانت أسرع نموًا بحوالي ٨٠٪ من غيرها أيضاً، علاوة على استدامة هذه التنمية لحوالي ٢٥ سنة بمعدلات نسب نمو بلغ متوسطها ٢،٥ ٪، وتقاطعت سياساتها المالية والاقتصادية بالاتجاه الى فرض نسب ضرائب مرتفعة والاستثمار في قطاعي التعليم والصحة.
تبدو نتائج هذه الدراسة منطقية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التنمية الاقتصادية تعتمد على ثلاثة عوامل هي: الحاكمية، وفاعلية المجتمعات الحرة، وقوة واستقلالية المؤسسات التشريعية والقضائية.
فالحاكمية ذات الكفاءة العالية تقلل من الهدر الحكومي وتنتج استقرارًا في السياسات والتوجهات المالية، والمجتمع الذي يمتلك أدوات الوصول للمعلومات وحرية التعبير والمشاركة في القرار السياسي سيختار الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة وينحاز إلى نسب ضرائب عالية مقسمة على شرائح لا تثقل على الطبقات الوسطى والفقيرة، أما استقلالية المؤسسات فستخلق بيئة محفزة للاستثمار بمكافحتها الفعالة والنشطة للفساد والمحسوبيات وضمانها لعدالة توزيع الفرص والحقوق مما يشجع الإبداع والاستثمار في مجالات الثورة التكنولوجيا وغيرها .
إن الدولة التي تتمتع بهذه الروافع؛ لا تحتاج إلى الاستثناءات أو الإعفاءات أو أي شكل من التشوهات الاقتصادية التي تشل خطط التنمية لأنها تنخرط مع مجتمعها في تحمل المسؤولية وإنجاز التنمية كمشروع وطني تشاركي بين الدولة والمجتمع وبذلك تنتقل من نموذج الدولة الأبوية الى الدولة المنتجة، وننتقل من المجتمع المعتمد على الدولة الى مجتمع قوي يشارك الدولة ليزيد من قوتها.
باختصار أي نوع من التغيير يحتاج إلى عاملين، خارجي تفرضه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة وداخلي يعطي هذا التغيير شرعيته، وبالنسبة لنا فظروف الإقليم وضغوطاته وانعكاسات الجائحة الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة واضحة جلية، يبقى أن يأتي طرح الإصلاح السياسي المشتبك مع خطط الإصلاح الاقتصادي من الداخل، لا أن يفرض علينا من قبل صندوق أو غيره حتى يتمتع بما يلزم من ثقة وشرعية لقبول الشارع له والانخراط فيه.
_______________________________
* باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من الجامعة الاردنية،
كاتب مقال في صحيفة الرأي الاردنية.