المشرق الجديد أردنيًّا: التطلعات والتحديات

*علاء عقل – مجلة الوعي السياسي

لا يذكر كثير من جيل الشباب الأردنيّ اليوم فترة من تاريخ المنطقة كانت فيها الحدود أكثر انفتاحًا عندما كان انتقال الأفراد والأفكار والبضائع عملية يومية بديهية تحدث دون أن يسلط عليها أي ضوء؛ بل إن البعض قد يظن أن ما نعيشه اليوم من إغلاق الحدود هو الحالة الطبيعية وليس استثناء وأن الأمور كانت على هذه الحال منذ عقود. ولكن الحقيقة أن الأمور لم تكن يومًا هكذا، وأن مفتاح النجاة الجماعية لا يكون إلّا بإعادة اكتشاف جوارنا ومد يد العون له، على أننا بمقدار ما نمد يد العون لجيراننا نكون بهذا نمد يد العون لانتشال أنفسنا من الركود الإقتصادي والبطالة التي تفتك بشبابنا.

لقد كان الشرق الأوسط طوال تاريخه – القديم بقدم الحضارة البشرية – يعمل كوحدة اقتصادية واحدة حتى عندما تختلف الدول والنظم السياسية فيه. ذلك أنّ الموارد الطبيعية والميزات الجغرافية التي يتمتع بها موقع المنطقة موزع على كل أقاليمه الجغرافية ولا تختص فيه دولة أو إقليم دون الباقي، بينما تعمل شبكة طرق التجارة بين البحر الأحمر والخليج والبحر المتوسط كوحدة واحدة لا يمكن الاستغناء عن أي مكون فيها دون الاستغناء عن فاعلية الشبكة كلها. 

ومن هنا ولدت عند النظام الأردني في السنتين الأخيرتين الرغبة بإعادة الانفتاح على الجوار لملئ الفراغ الاقتصادي واعادة تحريك الأسواق الأردنية لتوفير الفرص للمزيد من المواطنين من ناحية وللعب دوره التاريخيّ كطرف اقليميّ على مسافة واحدة من جميع الأطراف المختلفة وسط منطقة ملتهبة من ناحية أخرى؛ مستفيدًا من تغير الرياح في الإقليم واتجاهها نحو بناء جو من الثقة من خلال الحوار وإقصاء جو الشك والخوف المتبادل الذي سيطر على جميع دول المنطقة بلا استثناء في العقد الأخير.

وفي خضم هذا الجو الداعي للتفاؤل، يأتي الاجتماع الرباعيّ الأخير في عمان بين وزراء الطاقة في مصر وسوريا ولبنان والأردن وزيارة رئيس مجلس النواب الأردني لبغداد وأربيل للاجتماع بقادة القوى المختلفة في العراق بلا استثناء والذي كانت قد سبقته جهود متواصلة من جلالة الملك لإقامة قمة دول الجوار التي عقدت في بغداد التي زارها مرتين في أقل من شهرين بالإضافة لجهود جلالته لاستثناء الأردن من عقوبات قانون قيصر لمساعدة الجار السوري لاستعادة بوصلته العربي ومقعده في جامعة الدول بالإضافة لمساعدة لبنان للخروج من أزمة انسانية وعدم تركه معتمدًا على ناقلات الغاز الإيرانية كمصدر لحل أزمة الطاقة علمًا ان المملكة استطاعت في السابق وفي ظل الإدارة الأمريكية السابقة الحصول على استثناءات للربط الكهربائي مع العراق وبالتالي فيه تسعى لتكرار التجربة مع سوريا ولبنان اليوم. ولا يخفى على القارئ للمشهد أهمية مثل هذه اللقاءات والتحركات الى جانب الأهداف الاقتصادية والسياسية المرجوة من تحقيقها.

فمن الناحية الشرقية للملكة، ترتبط الأردن بحدود صغيرة نسبيًّا بأهم حليف تاريخيّ لها؛ جمهورية العراق. حيث تأتي الأهمية الاستراتيجية للعراق من شكل الحدود معه وطبيعة موقع البلدين، حيث يشكل هذا الخط الحدودي أقصر رابط بين العراق وباقي المنطقة العربية وبين العراق والبحر الأحمر ومصر تحديدًا. على الجانب الآخر ينظر الجانب الأردني والمصري للعراق كسوق متعطش لكل ما يمكن أن يصدره كلا البلدين خاصة في مجال الطاقة، بينما يعطيهم حاجتهم من النفط العراقي بأسعار تفضيلية. 

ولكن، وكما كان واضحًا خلال الشهور الأخيرة في العراق؛ تنظر الكثير من القوى العراقية بعين الريبة لهذا النوع من التعاون خاصة أنّ الانتفاح كان حتى فترة قريبة مقتصرًا على الجماعات السنيّة في العراق. لذلك، كان لا بد من زيارة رسمية تقودها شخصية عالية المستوى أردنيًّا كرئيس مجلس النواب لإيصال رسالة مفادها أن مشروع المشرق الجديد لا يفضل فئة من مكونات الدولة العراقية على أخرى وإنما ما يهمه هو التعاون مع العراق كوحدة واحدة بسنته وشيعته وكرده. 

أمّا في الشمال من المملكة، تنظر الدولة الأردنية اليوم الى فرصة لا تعوض بسد فراغ الطاقة في سوريا ولبنان ذلك إضافة لسد الفراغ في صناعات أخرى تنشط فيها الأردن كصناعة الدواء والصناعات الإنشائية التي تحتاجها سوريا في عملية إعادة الإعمار إضافة للاهتمام المصري بالدخول على نفس الخط، الأمر الذي جعل تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية على سوريا والحصول على استثناءات من قانون قيصر على رأس أولويات جلالة الملك خلال زيارته لواشنطن في تموز الماضي. ومن جانب آخر، تعرف المملكة أن الانفتاح مع سوريا لا يتم الا بالوصول الى تفاهمات أمنية نهائية لخلق حالة من الاستقرار على الحدود بعيدا عن مخاوف الطرفين.

فوسط هذه التحولات الإقليمية، يمكن اعتبار الأردن أكثر المتحمسين لهذا النوع من الانفتاح وضابط ايقاعه والواصل بين أطرافه المختلفة لتحقيق واقع اقتصاديّ جديد يربط دول المشرق العربي ببعضها البعض ويعيد توجيه بوصلتها السياسية نحو مصيرها المشترك مع جيرانها العرب بعد عقد من الربيع العربي.

________________________________________________

*طالب علوم سياسية في الجامعة الأردنية وناشط في العمل الطلابي. عمل في منظمات محلية ودولية ومثل الأردن في عدة محافل طلابية  دوليّة. مهتم بالشؤون الشرق أوسطية ودراسة العلاقات والتفاعلات السياسية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى