عبدالله الجبور: إصلاح الإصلاح السياسي في الأردن

بدأ الأردن في ذكرى مئوية الدولة، التحضير لمرحلة جديدة من الإصلاح السياسيّ، في محاولة خلق مسار جديد من الديمقراطيةِ يهدف إلى المحافظة على ما تبقى من خيوطِ الثقةِ بين المواطن والدولة، يكون فيه المواطنون وتحديدًا الجيل الجديد شريكًا فاعلًا في صناعة القرارِ على المستوى المحلي والوطني، خصوصًا بعد تراجع مشاركة الأردنيين في الانتخاباتِ البرلمانية الأخيرة التي لم تتجاوز نسبتُها (29%) لأسبابٍ عديدةٍ ومتراكمة، منها ما يتعلق بتردي حالة الثقة الاجتماعيَّة بالمؤسسات العامة، ومنها مرتبط بجدوى العملية الانتخابيَّة في تحقيق التغيير المنشود، بالإضافة إلى تداعيات وباء كورونا على المجتمعِ الأردنيّ اقتصاديًا ونفسيًا.

تلبيةً للدعوة الملكيَّة في الإصلاح السياسيِّ الجديد، بدأَ مجلسُ النواب دعوتَهُ إلى حوارات وطنية تهدف إلى تحقيق رؤى الملك، سبق الدعوى لقاءات أقرب إلى «الزيارات التعارفية» بين ثلاثية مجلسِ النواب والأعيان والحكومة في ظلِّ تحدياتٍ يواجهها البرلمان في قيادة مساعي الإصلاح، أبرزها ضعف مصداقية البرلمان في الوجدان الشعبيّ حاليًا، حيث يشير استطلاع وطنيّ نفَّذه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية في الثاني والعشرين من مارس، إلى أنَّ ثقة الأردنيين بمجلس النواب لا تتجاوز (36%)، ومن جانب آخر تخيّم حالة اللاثقة في علاقة المجتمع بالحكومة وقدرتِها في تولي المهام وإدارة الأزمات.

ذاكرة الإصلاح السياسي:

شهدت الأردن في أبريل 1989 إنهاء الأحكامِ العرفيَّة وإعلان عودة الحياة السياسيَّة الحزبيَّة، ومعها بدأت تتشكَّل النقابات ومنظمات المجتمعِ المدنيّ الأهليّة، وبدأت فصول طويلة من وعود الإصلاح السياسيّ والتجَدُّدِ الديمقراطيّ التي استمرت نحو 32 عام دون تحقيق المطلوب منها رغم تعديلِ التشريعاتِ الناظمة للعمل السياسيِّ والحزبيِّ في أكثر من محفل، ومحاولات مأسسة العملية الانتخابية بطريقةٍ مستقلة، ومع دخول الأردن عقده الرابع في هذا المسار، يمكن القول بأنَّ مخرجات الإنجاز الديمقراطيِّ بقيت تراوح مكانها، وفي بعض الأماكن تراجعت على مستويات التمثيل السياسيِّ وتوظيف النُّخَب، وتفعيل البرامجية الحزبية، وإيجادِ منهجيةٍ أردنيَّة في تشكيل الحكومات.

غياب مفهوم المواطنة والصالح العام:

يغيب مفهوم المواطنة عن مناهج التعليم الرسميَّة الأساسيَّة والثانويَّة، كذلك أخفَقَت مواد التربية الوطنية في غرس قيم المواطنة السياسية والاقتصادية وتحديد واجبات ومسؤوليات أطراف العقد الاجتماعي في المجال العام، بموازاةِ ذلك تفتقر تلك المواد إلى برامج التنشئة والتربية على السياسة، وما يزيد الأمر تعقيدًا، أن السلطةَ التنفيذيةَ لا تقوم بواجب التثقيفِ السياسيِّ للمجتمع، ويقوم بذلك مؤسسات المجتمع المدنيّ، تحديدًا الإقليمية والدوليَّة منها، بالتالي يمكن حصر خصوم الديمقراطية في المجموعات التاليَّة:

  1.  المجموعات التي تعتمد على الجهل السياسي للمجتمعات في وصولها إلى السلطة ومواقع صنع القرار.
  2.  المجموعات التي تخشى مشاركةَ الشباب والشاباتِ في المجالِ السياسي لأنّ هذه المشاركةَ تخلقُ حالةَ التدافُع السياسيِّ الذي يهدد مستقبل مواقع العديد من المتمسكينَ بكراسي السلطة.
  3.  القوى السياسيةُ وصانعي القرار ممن يقدمون الصالح الخاص المؤقت على الصالح العام المستدام.
  4.  أصحاب المصلحة الذين لا يدركون قيمةَ الديمقراطية ودورها في تعزيزِ المواطنة وحفظِ النظامِ السياسيِّ، وأهميةِ التجدُّد الديمقراطيِّ للدولة والنظام السياسي.
  5.  ما تبقى من ضحايا الأنظمة «التوتاليتارية» من أصحاب المؤامراتِ الكونية أعداء مؤسسات المجتمع المدني.

جدوى الإصلاح السياسي: 

سئمَ المواطنون من خطاب الإصلاحِ السياسي، وأصبح لديهم صورةٌ مسبقةٌ محبِطَةٌ ومخيِّبةٌ للآمال، اكتسبوها خلال سلوك الحكومات السابقة مع ملف التنمية السياسية، بدايةً من إلغاء واجب «التنمية السياسية» عن وزارةِ الشؤون السياسية والبرلمانية، وصولاً إلى حالة فوضى الأولويات من خلال التبديل المفاجئ بين أولوية السياسيِّ والاقتصاديِّ، تحديدًا عندما وعدت الحكومة الجديدة الرأيَ العام بعد أحداث الدوار الرابع في حزيران 2018 بإصلاحات وتنمية سياسية من خلال برامج ممنهجة في استراتيجيات الحكومة، وقامت وسط ذهول الجميع بنقل الملف السياسي إلى الهامش وتقديم الملف الاقتصادي من خلال تبنى الريادة والمشاريع الصغيرة التي تأخذ طابعًا شكليًا غير مستدام يصطدم في أشواك البيروقراطية.

أهمل صانعوا السياسات في الأردن دراسة سيكولوجية علاقة المجتمع والدولة، حيث وصلت فجوة الثقة إلى مستويات غير مسبوقة، لم تستطع الحكومات استدراك الفجوة، ووصلت حالة تردي الثقة إلى درجة تكوين شعور لدى الجيل الجديد بأنَّ الدولة أيضًا لا تثق به ولا بقدراته في تولي المهام والمشاركة السياسية الفاعلة، يعود ذلك إلى مؤشرات شبابيَّة عديدة، من بينها المشاريع الشكلية للتنمية السياسية، والتغيير في الخطاب الاتصالي الحكومي بالشباب، كذلك تبديل الأولويات بشكلٍ مفاجئ.

منهجية التحول الديمقراطي:

قدَّم الملك عبدالله في وقت سابق أوراق نقاشية تمثل خارطة إصلاح ليس فقط للنظام السياسي الأردني، بل لأية دولة ترغب في الانتقال من حالة فوضى إلى ممارسة ديمقراطية قائمة على المدنيَّة الحاضنة للمواطنة والصالح العام، ولكن القوى السياسيَّة والحكومات أخفقت في تحويل رؤى الملك إلى منهجية عمل على أرض الميدان، وسياسات تنعكس في سلوك مؤسسات الدولة وبرامجها، ولم تستثمر لغاية الآن إرادة ورغبة الإصلاح السياسي

الإصلاح السياسي ليس صفقة أو مشكلة تنتهي بتغيير التشريعات فقط، الإصلاح السياسي مشروع ديناميكي متكامل، يعيش بشكل مستدام داخل بنية النظام السياسي والاجتماعي، وهذا كله مشروط بإرادة أصحاب المصلحة وأطراف العقد الاجتماعي ووعيهم بوظيفة الديمقراطية المتجددة ودورها في إعادة تشكيل علاقة المجتمع بالدولة، وفي قوة وتماسك الدولة ونظامها السياسي، وبناء على ذلك، الإصلاح السياسي هو مشروع استراتيجي سياساتي، يحتوي برامج عملية تتبناها الدولة بواسطة المجتمع المدني، يقوم على ثلاثية (التنشئة السياسية، التنمية السياسية، الثقافة السياسية)، يهدف إلى إنتاج الديمقراطية الاجتماعية القائمة على المواطنة الفاعلة المتحررة التي تخدم الصالح العام وتضمن الحيوية داخل بنية النظام السياسي، وهذا كله مرهون ومشروط في إدراك وتبني ومشاركة جميع أطراف العقد الاجتماعي في العيش معًا من أجل هذا التوجه والدفاع عنه في سبيل تحقيق المصلحة الفضلى لمستقبل ديمقراطي حقيقي

عبدالله الجبور، باحث في الاجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى