هل نجحت برامج التمكين السياسي في منظمات المجتمع المدني من تمكين الشباب سياسيا؟
*حياة الدبيس – مجلة الوعي السياسي
تسعى مؤسسات المجتمع المدني من خلال برامج التمكين، إلى رفع مستوى مهارات الشباب في المشاركة السياسية، بالمقابل أشارت نتائج رسالة الماجستير التي قمت بمناقشتها في تخصص علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، تحت عنوان “دور مؤسسات المجتمع المدني في تمكين الشباب الأردني”، بحصول مجال التمكين السياسي على اقل درجة تقييم، بدرجة «منخفضة الفاعلية»، وهذا يشير إلى أنه بالرغم من انتشار برامج التمكين، إلا أن الربط بين تطوير سياسات التمكين أو البرامج ونظرية التمكين لا زالت في معظم الحالات ضعيفة، بالإضافة إلى أن ضعف إدراك مؤسسات المجتمع المدني لمقاربات التمكين وجوانب ( تمكين الشباب) يجعل عملية تمكين الشباب عشوائية، ولذلك على هذه المؤسسات أن تحدد مقاربة التمكين التي تعمل عليها، هل هي ضمن مقاربة المعالجة، مقاربة الإصلاح، مقاربة التوعية والمناصرة، مقاربة الراديكالية، مقاربة الليبرالية؟
فالتمكين بشكل عام رغم اختلاف مجالاته والسياقات التي يوظفها، الا ان معظم الباحثين يتفقون على أن التمكين يشير الى” الاشخاص، المجموعات أو المجتمعات التي يكتسب السيطرة أو السلطة في سياقات حياتها”، وبذلك يرتبط التمكين بمفاهيم ثلاثة أساسية:(التمكين والسلطة) (التمكين والمشاركة) ( التمكين والتعلّم)، وبهدف رصد فعالية وجودة هذه المؤسسات في تحقيق المفاهيم الثلاثة من خلال برامجها في تمكين الشباب الأردني؛ تم الاستناد على إطار تحليلي ضمن نظرية التنمية الشبابية الايجابية، والذي يعتمد على ثلاث أطر؛ الشباب من منظور دورة الحياة، منظومة الفرص والخدمات المقدمة لتمكين الشباب، و نتائج التمكين المتوقعة (cs5)
تستنتج نتيجة تقييم التمكين السياسي، إلى تأثر مؤسسات المجتمع المدني في طبيعة الأنظمة (المعوقات القانونية) في البلد، والى الأوضاع السياسية المحيطة في الأردن، بالإضافة للمعوقات المادية، حيث أن برامج التمكين السياسي لم تنجح في تمكين الشباب من بناء مساحات آمنة للتعبير عن آرائهم بحرية، ولم تمكنهم ايضاَ من مهارات تقييم البرامج الانتخابية وكتابتها، وهذا ما يجعلهم في معظم الأحيان يتوجهون لاتخاذ قرار بالعزوف عن المشاركة، أو الموافقة على إجماع العشيرة حول قرار المشاركة، و يعتبر عزوف الشباب عن المشاركة في الاقتراع وكذلك وصولهم إلى البرلمان خلال الانتخابات النيابية مؤشر هام على ضعف التمكين السياسي للشباب، وهذا لا يعني وقوع مسؤولية التمكين السياسي وتعزيز المشاركة السياسية على مؤسسات المجتمع المدني وحدها، وإنما هنا يتم التحدث عن دورها في هذا المجال بشكل محدد.
و بالرغم من درجة التقييم المنخفضة بشكل عام، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني وفرت الدعم للشباب للانتساب في الأحزاب وتوعيتهم حول الدستور وحقهم في الوصول إلى المعلومات بدرجة متوسطة، وهذا ما يجعلنا ندرك بأن دور مؤسسات المجتمع المدني ينعكس بشكل مباشر على مستوى مشاركة الشباب السياسية والحزبية، فالمشاركة السياسية هي أساس الديمقراطية والتعبير الواضح عن مبدأ سيادة الشعب، وتقضى المشاركة السياسية وجود مجموعة من المواطنين الذين يتوافر لديهم شعور الإنتماء والإهتمام بالشأن العام؛ وعدم جاهزية هذه الفئة ووجودها قد يعكس سلباً على مستوى مشاركتهم السياسية، وهذا يجعل الاهتمام بتمكينهم أمر في غاية الأهمية، كما أن المشاركة ستقلل من حالة الفراغ السياسي التي يعيشها الشباب عبر تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم.
في هذه الوقت يجب الاعتراف بأن الشباب يعاني من حالة يأس نتيجة ظروف أخرى لها علاقة بالوضع الاقتصادي والأمني والثقافي والاجتماعي، الأمر الذي يجعل من مشاركته السياسية أمر ليس من أولوياته، ومن هنا نؤكد على ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني بإعادة تحديث رؤيتها لبرامجها ومشاريعها الموجَّهة للشباب على أساس المقاربة التمكينية، والبناء على نقاط قوتهم ومواردهم ومراعاة مراحلهم العمرية، وخصوصية التحولات التي يمرون بها لضمان انتقال أكثر أمناً وسلامة من الطفولة إلى الرشد، وهذا ما يؤكده مفهوم (تمكين الشباب)، الذي تم تطويره استناداً على نظرية التنمية الشبابية الإيجابية، والذي يعني: ” عملية متكاملة وانتقالية بحسب الفئة العمرية والسياق الذي يتفاعل معه”.
بقاء الشباب بعيداً عن المشاركة السياسية بسبب عدم موائمة برامج التمكين لحاجاتهم وتحدياتهم، أمر سيجعل هامش الديمقراطية دائما محدود، لذلك يجب أن تكون عملية التمكين عملية مدروسة وذات هدف واضح، لينظر الشباب الأردني للمشاركة السياسية والحزبية على أنها عنصر أساسي و واحدة من أهم الأولويات التي من شأنها أن تحدث التغيير على كافة المجالات، سواء الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية، والسياسية، بالتالي يجب أن تصبح المشاركة السياسية بالنسبة لكافة الفئات العمرية طريق ووسيلة للاصلاح والتغير والتطور، وهذا يتطلب برامج تمكين تشاركية مع مختلف المؤسسات التي يتفاعل معها الشباب بدءً من الأسرة والمدرسة والجامعة، لتكون عملية التمكين متكاملة من كافة الأطراف، ولضمان مشاركة حقيقية للشباب، تحقق الهدف من التمكين.
____________________
*صحافية وناشطة مدنية، حصلت على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام، والماجستير في علم الاجتماع، تتركز كتابتها الصحفية على قضايا الشباب والمرأة، واللاجئين والمجتمع المدني.
حياة الدبيس، هل نجحت برامج التمكين السياسي في منظمات المجتمع المدني من تمكين الشباب سياسيا؟، مجلة الوعي السياسي. 2021